نكأ جورج غالوي الجرح، في الذكرى الثلاثين لجريمة العصر.. صبرا وشاتيلا، التي لا تنسى، ولن تنسى، فاستحضر شهادة الأموات - الأحياء، ومسرح الجريمة كاملا، والشهود الذين رأوا ما لم يصدقوا، ووضعوا العالم كله من جديد، أمام مسؤولية الشركاء الثلاثة في الجريمة: أميركا والعدو الصهيوني والقوات اللبنانية، وقد افلتوا جميعاً من العقاب، مما شجعهم على الاستمرار في ارتكاب الجرائم.
أميركا تخلت عن كافة الضمانات التي أعطاها موفدها "فيليب حبيب" لعرفات، بحماية المخيمات بعد انسحاب قوات منظمة التحرير، فانسحبت الكتيبة الايطالية من محيط المخيمين المذكورين بعد يومين، والعدو الصهيوني حاصر المخيمين، ومنع الدخول أو الخروج منهما، وأضاء المنطقة ليلا، ليقوم جنوده ومليشيات القوات اللبنانية بقيادة حبيقة وجعجع، بتنفيذ مذبحة العصر.. بقتل الأطفال والنساء والشيوخ بالبلطات والفؤوس والسكاكين، فيما المجرم شارون يشرف على تنفيذ الجريمة، وعلى مدى يومين كاملين حصدتا أكثر من خمسة آلاف بريء، فيما لا يزال المئات من أبناء المخيمين في عداد المفقودين.
شهادة مخرجة فيلم "صبرا وشاتيلا"، مونيكا بورغمان، التي قابلت عدداً من القتلة تستحق أن تدون ليطلع عليها العالم أجمع لأنها تضعه أمام أحقاد، وفاشية لم يعرفها تاريخ الحروب والمذابح والجرائم.
فهؤلاء القتلة وبعد تسع سنوات من ارتكابهم مجزرة العصر، لم يبدوا أي ندم على جرائمهم، وكان ردهم.." نعم قتلنا الأطفال، لأنهم سيصبحون مقاتلين فلسطينيين"..!!.
هذه الجرأة في الاعتراف، ترجع لكونهم لم يعاقبوا، بعد أن صدر عفو عن كل الذين شاركوا في الحرب الأهلية اللبنانية، ولكنها تكشف عن الفاشية والسادية وروح الانتقام اللامعقول، التي تغلغلت في دم القوات اللبنانية والكتائب والانعزاليين ولا تزال، وهي التي أنطقت نائباً منهم في البرلمان "دمرنا مخيم تل الزعتر وقتلنا من فيه، خوفاً من التوطين"..!.
لقد تآمر عالم الأقوياء الأشرار لطمس الجريمة، وحماية القتلة المجرمين، من العقاب الرادع، ففشلت كل الجهود لتقديم القتلة من قادة العدو، ومن القوات اللبنانية إلى المحاكم الدولية، فافلتوا جميعاً من العقاب، وعلى رأسهم الإرهابي القاتل شارون، وإيلي حبيقة وسمير جعجع، وها هو الأخير يصول ويجول حراً في لبنان، بعد استصدار عفو خاص عنه.
وبهذا الصدد فلابد من الإشارة إلى قرار رئيس الجمهورية اللبنانية أمين الجميل، الذي خلف شقيقه بشير، إذ أصدر قراراً بعد المجزرة بثلاثة أيام يمنع بموجبه أي ذكر للجريمة في وسائل الإعلام اللبنانية، بعد إجراء تحقيق شكلي لا يدين أحداً، وقزم عدد الشهداء إلى "200" شهيد فقط، ولم يأت على ذكر القوات اللبنانية التي ارتكبت بالتعاون مع جنود العدو المذبحة، والتي ستبقى لعنة تطارد هذه القوات وقادتها والكتائب "لا أحد ينسى.. ولا شيء ينسينا" هذا هو شعار ما تبقى من لاجئي صبرا وشاتيلا وكافة لاجئي لبنان والشعب الفلسطيني، حتى يلاقي القتلة المجرمين عقابهم جزاء وفاقاً.
لقد زرت وصديقي الصحفي عودة عودة المخيمين بعد أكثر من عشر سنوات على وقوع الجريمة، فذهلنا ونحن نشاهد مسرح الجريمة، لا يزال موجوداً، ينطق بكل مفرداتها البشعة، وأن أهالي الضحايا لا يزالون بانتظار عودة أبنائهم المفقودين الذي اختطفهم مليشيات القوات اللبنانية.
باختصار... مجزرة صبرا وشاتيلا لم تقتل روح المقاومة الفلسطينية واللبنانية، بل أدت إلى اشتعال هذه المقاومة، حتى كتب لها الانتصار المجيد.
صبرا وشاتيلا جريمة لا تنسى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة الدستور الأردنية