بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام ؛ الآية الخامسة والثمانون من سورة النساء، وهي قوله تعالى:
﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (85)﴾
إذا كنت أيها المؤمن سبباً في علاقةٍ أدّت إلى مفسدة، فعليك وزر هذه المفسدة، وإن كنت سبباً في علاقةٍ أدت إلى خير، إلى هدى، إلى تقى، إلى صلاح، إلى تحقيق مصالح المسلمين، إلى التخفيف عنهم، فَلَكَ منها نصيب، وإذا كنت سبباً في علاقةٍ سيئةً فعليك منها وزر، لذلك فالله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم:
﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ﴾
( سورة يس: 12 )
دقق في كلمة " وآثارهم"، فأعظم الأعمال عند الله هي الأعمال التي إذا مات صاحبها، واستمرت من بعد موته، تتجدد منافعها، يتجدد ثوبها، من هنا، ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام:
((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث. صدقةٍ جاريةٍ. وعلم ينتفع به. وولدٍ صالح يدع له.))
لا بد مِن ضرب بعض الأمثلة ؛ لو فتحت محلاً تجاريًا وكل الزبائن نساء، واستخدمتَ شابًا في ريعان الشباب، فلو نشأ فسادٌ عند هذا الشاب فأنت السبب.
﴿َمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا﴾
﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا﴾
فقَبْل أنْ تتحرك، وقبل أنْ تعمل مشروعًا، قبل أنْ توظف، قبل أنْ تعين، قبل أنْ تفصل، قبل أنْ تعمل أي علاقة، انتبه إلى أنك إذا كنت سبباً في علاقةٍ أدت إلى مفسدةٍ، فعليك وزرُ مثل هذه المفسدة، ولو دللت شابًا فاسدًا ليتزوج فتاةً طيبةً، فأنت الذي دللت عليه، فلك من هذا الزواج، ومما ينتج عن الفساد منه وزر.
هذه الآية أيها الإخوة: من أدق الآيات التي تجعل المؤمن يفكر ملياً قبل أن يقدم على عمل.
ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام:
((إذا أردت إنفاذ أمرٍ تدبر عاقبته.))
يعني... أنت نصحت صديقك أنْ يبعث ابنه إلى بريطانيا، ليتعلم اللغة الإنكليزية، فهنالك ببريطانيا مثلاً، يفرزون الشاب إلى أسرة، يسكن معهم ليلاً ونهاراً، فقد تكون فتاة في هذا البيت، ويمكن لهذا الشاب أنْ يقع في الزنى، وأنْ يشرب خمرًا، أنت نصحت رفيقك، ليتعلم ابنه لغة، فبعثه إلى بريطانيا، ليتلقى دروسًا وتدريبات عملية.
قبل أنْ تتكلم كلمة، وقبل أنْ تنصح، وقبل أنْ تقيم علاقة، قبل أنْ تجمع بين شخصين، قبل أنْ تدل على زواج، قبل أنْ تؤسس مشروعًا، فقد تكون المفسدة في نصيحتك أو اقتراحك، وتوجيهك لهذا المشروع.
قال لي أحد إخوانا الكرام: إنّ بعض الأعمال تقوم مِن أساسها على معصية، فإذا أنت ساهمت إما بمالك، أو بجهدك، أو بخبرتك، فلا تعطِ خبرتك ولا رأيك لمفسدةٍ تقع بين المسلمين.
﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا﴾
انتبِهْ ؛ كلمة " نصيب"غير كلمة "كفل"، الكفالة فيها غرامة، أما النصيب ففيه ربح، ما نصيبي من أرباح هذا العام، النصيب فيه ربح، أما الكفالة ففيها مغرم.
هذه الآية أيها الإخوة، تعضدها الآية الثانية.
﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ﴾
( سورة يس: 12 )
آثار الأعمال، أحياناً تشير على إنسان بتطليق زوجته، فيطلِّق، وحينها تريد المرأةُ أن تغيظ زوجها، فتفسد، وتدع الصلاة، وتسفر، وتختلط بالرجال، فأنت الذي أشرت على الصديق أن يطلق زوجته، والآثار المترتبة على هذا الطلاق، أنت أيها المشير تتحملُ كفلاً منها، وبالمقابل إذا دللت إنسانًا على مجلس علم، دللته على خير، على أبواب الخير، على دفع زكاة ماله، على غض بصره.
فأيَّة دلالةٍ تدل بها إنسانًا تنتهي بخيرٍ في الدنيا أو في الآخرة فلك منها نصيب، أروع ما في الإسلام، أنك إذا دللت على خيرٍ كُتب لك أجرٌ كأجر فاعله، وإذا دللت على سوء تحملت وزراً كوزر فاعله.
أسس رجلٌ ملهى وناديًا ليليًا، تقام فيه المعاصي بكل أنواعها، وبعد ما افتتحه بأسبوع توفي، ولا يزال النادي مفتوحًا إلى الآن، وعلى المؤسِّس كِفل من كل مفاسده وخبائثه.
﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ﴾
( سورة يس: 12 )
فاحرص أيها الأخ الكريم، أنْ تعمل عملاً صالحًا، فإذا غبت عن الحياة يبقى العمل مستمرًا، ولك أجر مستمر ما دام العملُ قائما.
أحيانا وكلاء بعض الشركات، قد يأتيه إنسان بغير علم صاحب الشركة ويشتري البضاعة، فيأتي إشعار لصاحب الشركة، سجلنا لك ثلاثين ألف دولار في حسابك، وأنت لا تدري، يوم القيامة لما يختارُ اللهُ الإنسانَ إلى جواره، تكون له أعمال صالحة من هذا النوع، أعمال خيرة، فكل الثواب يأتيه، وتأتي نسخةٌ من هذا الثواب إلى من دلّ عليه.
فيا أيها الإخوة الأكارم ؛ الإنسان أعطاه اللهُ عقلاً، وكثير من المفاسد الاجتماعية أساسها نصيحة، وأساسها دلالة،و أساسها خبرة، وأساسها إغراء، وأساسها تحميس، فقبْل أن تغري، قبل أن تشير، قبل أن تقترح، قبل أن تدل، قبل أن تفعل شيئاً، دقق أن هذا العمل إذا ظهرتْ منه مفسدة فعليك من هذا العمل وزر، وإذا دللت على خيرٍ فلك من هذا العمل نصيبٌ من أرباحه.
الآية الكريمة:
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ( ﴾
( سورة الزلزلة: 7-8 )
نعيد الآية مرة ثانية:
﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً﴾
الشفع الزوج، يشفع شفاعةً، يعني كان سبب علاقة، لك صديق عنده بنت ضعيفة في الرياضيات، فتقول له: أنا عندي أستاذ درجة أولى بالمادة، فانتبِهْ، عنده بنت، فأنت جمعت رجلاً مع فتاة في خلوة، وكل شيء قد يحصل، فإنّ الذي دل على هذا العمل عليه وزرٌ من هذا العمل، أضرب أمثلة من أجل توضيح الفكرة.
﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (85)﴾
يعني على كل شيءٍ مقتدرا، يعني الله قادر أنْ يمنح الدال على الخير مثل أجر فاعله، وقادر على أن يحاسب الدال على الشر ويعاقبه مثل عقاب أجر فاعله.
لذلك كما ورد في حديث قدسي:
((عبادي الخير بيدي والشر بيدي فطوبى لمَن قدَّرتُ على يده الخير، والويل لمن قدّرتُ على يده الشر.))
هناك أشخاص مفاتيح للخير مغاليق للشر، فأحيانا يقع زواج غير صحيح، في مفسدة، تعقبه فاسد، زوجة فاسدة، وأنت الوسيط، فإذا كان في الأمر فساد فإياك أن تقترب، شركة مبنية على التعامل الربوي، شركة مبنية على موضوع لا يرضي الله عز وجل، مطعم تدار فيه الخمور، فأنت إذا كان لك نصيب في هذه الشركة فهذه مشكلة كبيرة، وهذه الآية يجب أن تكون في ذهن كل أخ مؤمن، قبل ما يتكلم كلمة، قبل أنْ يدل، قبل أنْ ينصح، قبل أنْ يكون وسيطًا، قبل أنْ يكفل كفالة مصرفية مثلاً، قبل أنْ يكفل ينتبه، هذه فيها مخالفة للشرع، فالكفيل مسؤول أيضاً.
﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ ﴾
فانتبِهْ.
واحدة نصيب، وواحدة كفل، ولكلٍّ منهما معنى.
﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (85)﴾
يعني مقتدر على أن يجازي المحسن على إحسانه، والمسيء على إساءته.
والحمد لله رب العالمين