الحوار في السنة النبوية
{ للأمانة...الكاتب ::علاء محمد سعيد}
احتل الحوار مكانة فريدة في الإسلام، فقد ورد ذكر الحوار في القرآن الكريم في أكثر من موضع قال تعالى: (فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً)، كما أن هناك عديداً من الحوارات المتضمنة للآيات القرآنية، فهناك الحوار بين موسى - عليه السلام - وفرعون، والحوار الذي كان بين خليل الله إبراهيم- عليه السلام - وبين الله - عز وجل - حين طلب منه أن يريه كيف يحيي الموتى.
وفي عدد سابق تناولنا المحور الأول وهو الدعوة إلى الإسلام مع بداية القرن الحادي والعشرين، حيث بينا حاجة الدعوة الإسلامية للتطوير، وأهمية مواكبة المستجدات الحديثة، وغاية الحوار وأهميته، ومكانته في القرآن الكريم، وسوف نتحدث في هذا العدد عن مكانته في السنة النبوية، ونماذج منه.
الحوار في السنة:
ما يرويه ابن هشام عن ابن إسحق أن عتبة بن ربيعة كان في نادي قريش فقال: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه، وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء، ويكف عنا؟ فقالوا: بلى يا أبا الوليد، قم إليه فكلمه، فجاء عتبة حتى جلس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من الشرف في العشيرة، والمكانة في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمرٍ عظيم فرّقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((قل يا أبا الوليد أسمع)).
قال: يا ابن أخي إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا، وإن كان الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفرغت يا أبا الوليد؟)) قال: نعم… قال: ((فاسمع مني، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم (حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِياً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ…)، ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القراءة وعتبة يسمع حتى وصل إلى قوله - تعالى -: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُود)، فأمسك عتبة بفيه، وناشده الرحم أن يكف عن القراءة؛ وذلك خوفاً مما تضمنته الآية من تهديد، ثمّ عاد عتبة إلى أصحابه، فلما جلس بينهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولاً ما سمعت بمثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم.
وانظر كيف حاور الرجل الذي جاء يستفتيه عن امرأته وقد ولدت غلاماً أسود، فأنكر ذلك، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ألك إبل؟)) قال: نعم، قال: ((فما لونها؟)) قال: سود، قال: ((هل فيها من أورق؟)) قال: نعم، قال: ((فأنى له ذلك؟)) قال: عسى أن يكون نزعه عرقه، قال: ((وهذا عسى أن يكون نزعه عرقه)).