سم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
(( الله يراك ))
حُكى أن رجلاً تعلّق قلبه بامرأة بدوية ، وفى أحد الأيام ذهبت إلى حاجة لها ، فتبعها .
فلما خلا بها فى البادية والناس نيام حوله ، راودها عن نفسها فقالت له : انظر .... أنام الناس جميعاً ؟
ففرح الرجل ، وظن أنها قد أجابته ، فقام ، وطاف حول مضارب الحى ، فإذا الناس نيام ، فرجع إليها وأخبرها .
فقالت له : ما
تقول فى الله تعالى ؟ انائم هو فى هذه الساعة ؟ فانتبه الرجل من غفلته ،
وأثر كلامها فى قلبه ، فملأه خشية ورهبة من الله تعالى ، وأجابها وهو يرتعد
خوفاً من الله : إن الله لا ينام ، ولا تأخذه سنة ولا نوم .
فقالت المرأة : إن الذى لم ينم ولا ينام يرانا ، وإن كان الناس لا يروننا ، فهو أولى أن يُخاف منه .
فأتعظ الرجل وتركها وندم وتاب ، ثم بكى على فعلته ، ولسان حاله يقول :
بكيت على الذنوب لعظم جُرمى
وحق لكل من يعصى البكاء
ولو كان البكاء يردُّ همى
لأسعدت الدموع معًا دماء
وقال الإمام الشنقيطى - رحمه الله تعالى - قوله تعالى :{ أَلا
إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ
يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ
إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
سورة هود : آية ( 5 ) .
يبين
الله تعالى فى هذه الآية الكريمة : أنه لا يخفى عليه شئ ، وأن السر
كالعلانية عنده ، فهو عالم بما تنطوى عليه الضمائر ، وما يعلن ، وما يُسر ،
والآيات المبينة لهذا كثيرة جداً ، كقوله : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد ِ}
سورة ق : آية ( 16 ) .
قوله - جل وعلا - :{ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ }
سورة البقرة : آية ( 235 ) .
واعلم
أن الله تبارك وتعالى ما أنزل من السماء إلى الارض واعظاً أكبر ، ولا
زاجراً أعظم مما تضمنته هذه الآيات الكريمة وأمثالها فى القرآن ، من انه
تعالى عالم بكل ما يعمله خلقه ، رقيب عليهم ، ليس بغائب عما يفعلون .
فيا أخى المذنب ، وكلنا مذنبون ....
إن التوبة هى بداية رحلة السعادة ونهاية رحلة الشقاء ... فاغسل وجهك بماء
عينك ، ولسانك بذكر خالقك ، وقلبك بخشية ربك ، وذنوبك بالتوبة الصادقة ....
فالله تعالى ينادى :
مَن الذى تاب إلينا فما قبلناه ؟
مَن الذى طلب منا فما أعطيناه ؟
مَن الذى استقال من ذنبه فما غفرناه ؟
أنا الذى أغفر الذنوب ، وأستر العيوب ، وأغيث المكروب ، وأرحم الباكى النَّدوب ، وانا علام الغيوب ...
(( أسعد قلبك بغض البصر ))
إذا
كان النظر إلى النساء الجميلات لذة وفرصة لا تُعوَّض عند أصحاب القلوب
المريضة فإن الامتثال لأمر الله بغض البصر عن المحرمات يجلب السعادة
والسرور إلى قلب العبد المؤمن .
ذكر الإمام ابن القيم - رحمه الله - عن غض البصر فوائد كثيرة كان منها :
أنه يورث القلب سروراً وفرحة وانشراحاً أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر ، وذلك لقهره عدوّه بمخالفته ، ومخالفة نفسه وهواه .
وأيضاً فإنه لما كف لذته ، وحبس شهوته لله - وفيها مسرة نفسه الأمارة
بالسوء - أعاضه الله سبحانه مسرةً ولذةً أكمل منها . كما قال بعضهم : والله
للذة العفة أعظم من لذة الذنب .
ولا ريب ان النفس إذا خالفت هواها ،
وأعقبها ذلك فرحاً وسروراً ولذة أكمل من لذة موافقة الهوى بما لا نسبة
بينهما ، وهاهنا يمتاز العقل من الهوى
(( وإياك وعشق الصور ))
أخى الحبيب : إن
العين مفتاح القلب فمن شغل عينيه بالنظر إلى الحرام أفسد قلبه لا محالة
ومن حفظ عينيه من النظر إلى الحرام سَلِمَ قلبه من الآفات التى تفسده .
فعشق الصور همٌّ حاضر وكَدَرٌ مستمر .
إن للعشق أسباباً ، ومنها
فراغ القلب من حُبَّه - سبحانه وتعالى - وذكْره وشُكره وعبادته .
إطلاق البصر ، فإنه رائد يجلب على القلب أحزاناً وهموماً
{
قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا
فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
يَصْنَعُونَ }
سورة النور : آية ( 30 )
النظر سهم من سهام إبليس
أخيراً وأكررها
(( أسعد قلبك بغض البصر ))